لطالما كانت المواجهات الأوروبية بين الأندية الإنجليزية واليونانية مزيجًا فريدًا من القوة التكتيكية والشغف الجماهيري، ويُعد لقاء آرسنال ضد أوليمبياكوس أحد أبرز فصول هذا الصراع القاري. النادي اللندني، آرسنال، الذي يسعى جاهدًا لاستعادة أمجاده على الساحة الأوروبية، يجد نفسه دائمًا في مواجهة مباشرة مع العملاق اليوناني، أوليمبياكوس، الذي يُعرف بصلابته في ملعبه وروح لاعبيه القتالية. هذه المباريات، سواء كانت في الأجواء الحماسية لدوري أبطال أوروبا أو في ليالي الدوري الأوروبي الباردة، لا تخلو أبدًا من الإثارة والنتائج المفاجئة التي تُبقي الجماهير على أعصابها حتى صافرة النهاية. إنها قصة تنافس كروي تزداد عمقًا مع كل لقاء، وشاهد على تطور كرة القدم في القارتين.
تاريخ المواجهات: عقدة التذبذب بين الأبطال واليوروبا ليغ
يعود تاريخ مواجهات آرسنال وأوليمبياكوس إلى سنوات طويلة، وهي مواجهات اتسمت بالتكافؤ الغريب رغم الفوارق الفنية الظاهرة بين الناديين. التقى الفريقان في مناسبات عديدة ضمن دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا، وكان كل منهما يتبادل الفوز على ملعبه في كثير من الأحيان، ما خلق نوعًا من “الندية المنزلية” غير المألوفة.
لكن اللحظات الأبرز التي ما زالت عالقة في أذهان الجماهير هي تلك التي حدثت في مسابقة الدوري الأوروبي. ففي موسم 2019-2020، ودع آرسنال البطولة من دور الـ 32 على يد أوليمبياكوس في سيناريو دراماتيكي. بعد فوز المدفعجية ذهابًا بهدف نظيف، تمكن الفريق اليوناني من قلب الطاولة في مباراة الإياب على ملعب الإمارات، ليفوز بنتيجة 2-1 بعد التمديد، بفضل هدف قاتل من المهاجم المغربي يوسف العربي في اللحظات الأخيرة من الشوط الإضافي الثاني. شكلت تلك الخسارة صدمة لجماهير آرسنال وأثبتت أن أوليمبياكوس ليس مجرد خصم سهل.
عاد آرسنال لينتقم بعد عام واحد في موسم 2020-2021 ضمن دور الـ 16 للدوري الأوروبي. فاز آرسنال ذهابًا في اليونان بنتيجة 3-1، في مباراة شهدت تألقًا لافتًا للنجم المصري محمد النني الذي سجل هدفًا رائعًا، ليؤمن فوزًا مريحًا مكنه من التأهل رغم خسارته في الإياب بهدف نظيف. هذا التبادل في الإقصاء والانتقام هو ما يضفي على هذه المواجهات طابعًا خاصًا من الإثارة غير المتوقعة.
اللقاء الأخير: انطلاقة قوية لآرسنال في الأبطال
في أحدث فصول هذا التنافس، ضمن منافسات الجولة الثانية من دوري أبطال أوروبا لهذا الموسم، تمكن آرسنال من تحقيق فوز مستحق على ضيفه أوليمبياكوس بنتيجة 2-0 على ملعب الإمارات. هذا الفوز جاء ليؤكد الانطلاقة القوية للمدفعجية في البطولة، بعد فوزهم في الجولة الأولى بنفس النتيجة.
المباراة الأخيرة شهدت سيطرة واضحة لآرسنال، الذي افتتح التسجيل مبكرًا في الدقيقة 12 عن طريق النجم البرازيلي غابرييل مارتينيلي، ليمنح فريقه الأفضلية المبكرة ويُريح الأعصاب. ورغم المحاولات اليونانية لامتصاص الضغط وتنظيم الصفوف، إلا أن دفاع آرسنال بقي متماسكًا ومنظمًا.
وفي الوقت المحتسب بدل الضائع من الشوط الثاني، أكد النجم الإنجليزي بوكايو ساكا تفوق آرسنال بتسجيل الهدف الثاني، بعد تمريرة متقنة من القائد النرويجي مارتن أوديجارد. الفوز بثنائية نظيفة منح آرسنال العلامة الكاملة بـ 6 نقاط، ليُعزز من موقعه في الصدارة ويُرسل رسالة قوية عن طموحاته الجادة للذهاب بعيدًا في دوري الأبطال هذا الموسم.
الصراع التكتيكي: ميكيل أرتيتا في مواجهة المدرسة اليونانية
تُعد هذه المواجهة صراعًا تكتيكيًا مثيرًا بين فلسفة المدرب الإسباني ميكيل أرتيتا الذي يقود آرسنال، والروح الدفاعية المنظمة التي يتميز بها أوليمبياكوس. يعتمد أرتيتا على أسلوب اللعب الاستحواذي، مع الضغط العالي والتحرك السريع للكرة، مستغلًا مهارات الشباب في صفوف فريقه مثل ساكا، وأوديجارد، ومارتينيلي. قوة آرسنال تكمن في قدرته على خلق الفرص باستمرار واللعب بخطوط متقاربة، ما يجعل استعادة الكرة أمرًا صعبًا على الخصم.
في المقابل، يدخل أوليمبياكوس المباراة عادة بعقلية واقعية وحذرة، مع التركيز على إغلاق المساحات في وسط ملعبه والدفاع بعمق. يعتمد الفريق اليوناني على الكرات الثابتة والهجمات المرتدة السريعة، مستغلًا قوة مهاجميه وقدرتهم على حسم الفرص النادرة التي تتاح لهم. أثبت أوليمبياكوس مرارًا أنه يمتلك الخبرة الكافية لإحراج الفرق الكبرى، خاصة عندما يلعب على أرضه وبين جماهيره الحاشدة في بيرايوس. الفوز في عقر دار آرسنال في الماضي يمنحهم دائمًا ثقة عالية في قدرتهم على تحقيق المفاجآت.
نجوم حسموا الصراع: من أوباميانغ إلى مارتينيلي
شهدت مباريات آرسنال ضد أوليمبياكوس تألق العديد من اللاعبين الذين حسموا نتائج هذه المواجهات. في الماضي، كان المهاجم ألكسندر لاكازيت صاحب بصمة واضحة، وكذلك نجم الوسط محمد النني الذي سجل هدفًا من الأجمل في مسيرته الأوروبية في شباك الفريق اليوناني. ولا يمكن نسيان اللمسة القاتلة ليوسف العربي التي أقصت آرسنال في عام 2020، لتُصبح تلك الليلة كابوسًا في ذاكرة الجماهير الإنجليزية.
أما في الوقت الحالي، فإن التركيز ينصب على الجيل الجديد في آرسنال. يبرز دور غابرييل مارتينيلي وبوكايو ساكا بشكل كبير، فقد كانا هما صاحبا هدفي الفوز الأخير، ما يثبت أنهما القوة الدافعة لهجوم المدفعجية. كما أن النجم النرويجي مارتن أوديجارد يلعب دورًا محوريًا كصانع للألعاب والقائد الفعلي للفريق في خط الوسط. بالنسبة لأوليمبياكوس، فإن الأمل يبقى معلقًا على خبرة لاعبيه الدوليين في خطي الوسط والهجوم، وقدرتهم على استغلال أي تراجع في تركيز لاعبي آرسنال.
المستقبل الأوروبي: آرسنال يسعى للعودة وأوليمبياكوس يناور
الفوز الأخير لآرسنال على أوليمبياكوس، ونتائجه المميزة في مستهل دوري الأبطال، تُعطي مؤشرًا واضحًا على أن الفريق اللندني يمتلك الطموح والجودة اللازمة للمنافسة بجدية في البطولة الكبرى. يسعى آرسنال إلى إنهاء سنوات الغياب عن الأدوار المتقدمة، وتقديم أداء يليق بمكانته الأوروبية.
في المقابل، ورغم الخسارة، فإن أوليمبياكوس يظل قوة لا يُستهان بها في المجموعات الأوروبية. يمتلك الفريق اليوناني خبرة متراكمة في هذه المسابقات، وسيسعى جاهدًا لتحقيق نتائج إيجابية في باقي مبارياته لضمان التأهل على الأقل إلى الأدوار الإقصائية من إحدى البطولات القارية، سواء دوري الأبطال أو الدوري الأوروبي. المواجهة بين هذين الناديين هي رمز للتنافس المستمر بين المدارس الكروية الأوروبية، وقصة لا تنتهي من الدراما والإثارة التي تجعل كرة القدم في القارة العجوز الأجمل والأكثر جنونًا. تبقى الأعين شاخصة نحو اللقاءات القادمة، ترقبًا للمفاجآت التي قد يحملها التاريخ القريب لهذه الملحمة الكروية.


