تظل المواجهات الكروية التي تجمع بين فريقين من قارتين مختلفتين، أو حتى من مدارس كروية متباينة، محط أنظار العالم. وعندما يلتقي العملاق الإنجليزي مانشستر سيتي بكتيبة موناكو الفرنسية، فإننا نكون على موعد مع فصول من الإثارة لا تقتصر على تسعين دقيقة فحسب، بل تمتد لتشمل ذكريات تاريخية وتوقعات مستقبلية، خصوصًا في مسابقة بحجم دوري أبطال أوروبا. وقد أثبتت لقاءاتهما السابقة والقريبة أنها تحمل في طياتها سيناريوهات درامية تبقي الجماهير على أطراف مقاعدها حتى صافرة النهاية، مما يرسخ هذه المواجهة كواحدة من الكلاسيكيات الحديثة في البطولة الأوروبية الأبرز.
صراع الـ 2017: الريمونتادا الفرنسية التي أقصت “السيتيزنز”
لا يمكن الحديث عن موناكو ضد مان سيتي دون استحضار المواجهة الأيقونية في دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا موسم 2016-2017. كانت مباراة الذهاب على ملعب الاتحاد جنونية بكل المقاييس، حيث نجح مانشستر سيتي، بقيادة بيب جوارديولا، في تحقيق فوز عريض بنتيجة 5-3 على فريق موناكو الشاب وقتها، والذي كان يضم أسماء لامعة مثل كيليان مبابي وبرناردو سيلفا (الذي أصبح لاحقًا نجمًا في السيتي) وفابينيو. ثمانية أهداف في لقاء واحد جعلت اللقاء يدخل تاريخ البطولة من أوسع أبوابه كأحد أكثر مباريات الذهاب غزارة تهديفية في الأدوار الإقصائية.
لكن كرة القدم لا تعترف بالنتائج الكبيرة دائمًا. ففي مباراة الإياب على ملعب لويس الثاني بإمارة موناكو، قدم الفريق الفرنسي أداءً بطوليًا ومفاجئًا، واستغل تراخي دفاع “السيتيزنز” وعدم قدرة خط الوسط على فرض السيطرة. سجل موناكو هدفين في الشوط الأول عن طريق مبابي وفابينيو، قبل أن يقلص ليروي ساني الفارق لصالح السيتي في الشوط الثاني، ليعيد الأمل للفريق الإنجليزي. غير أن الرد كان قاسيًا وسريعًا بهدف ثالث حاسم سجله تيموي باكايوكو بضربة رأس في الدقيقة 77. انتهت المباراة بفوز موناكو 3-1، وتأهل الفريق الفرنسي إلى الدور ربع النهائي بقاعدة الهدف خارج الأرض بعد التعادل في مجموع المباراتين 6-6. كانت هذه النتيجة بمثابة “ريمونتادا” فرنسية مدوية أثبتت أن دوري الأبطال لا يقبل انصاف الحلول، وألقت بظلالها على بداية مسيرة جوارديولا مع السيتي.
تعادل اللحظات الأخيرة: هالاند يتألق وموناكو ينتزع نقطة ثمينة
في أحدث فصول هذه المواجهة المثيرة، وتحديداً ضمن منافسات مرحلة الدوري (الجولة الثانية) في نسخة لاحقة من دوري أبطال أوروبا، تجدد اللقاء بين موناكو ومانشستر سيتي على ملعب لويس الثاني. هذه المرة، لم يكن الأمر يتعلق بدور إقصائي، بل بجمع النقاط في مرحلة المجموعات الجديدة، ورغم ذلك لم تقل الإثارة والحماس.
شهدت المباراة تألقًا لافتًا للنجم النرويجي إيرلينج هالاند، ماكينة الأهداف في مانشستر سيتي، الذي نجح في تسجيل هدفين رائعين في الشوط الأول. الهدف الأول جاء بتوقيع هالاند من تمريرة متقنة من يوشكو جفارديول، والهدف الثاني كان برأسية متقنة عاد بها السيتي للمقدمة بعد أن كان موناكو قد أدرك التعادل سريعًا عبر جوردان تيزي. سيطر مانشستر سيتي على أجزاء كبيرة من اللقاء، وحافظ على تقدمه حتى الأنفاس الأخيرة من المباراة، حيث بدا الفوز في متناول “السيتيزنز”.
لكن، وكما هي عادة كرة القدم المليئة بالدراما، رفض موناكو الاستسلام. ففي الدقيقة الأخيرة من الوقت الأصلي للمباراة، حصل أصحاب الأرض على ركلة جزاء مثيرة للجدل بعد العودة لتقنية الفيديو (VAR)، والتي نجح إريك دير في ترجمتها إلى هدف تعادل قاتل، لتنتهي المباراة بنتيجة 2-2. هذا التعادل لم يكن مجرد نقطة لموناكو الذي كان قد خسر مباراته الأولى، بل كان رسالة قوية من الفريق الفرنسي بقدرته على مقارعة كبار أوروبا، حتى في ظل تفوق هجومي لمانشستر سيتي.
تأثير النجوم والتحليل التكتيكي: جوارديولا يبحث عن مفتاح الإمارة
في كلتا المواجهتين، كان الفارق يصنعه النجوم والقرارات التكتيكية. في عام 2017، كان تألق الثنائي كيليان مبابي وبرناردو سيلفا في صفوف موناكو هو الدافع الرئيسي للانتصار والعبور، مع نجاح المدرب في تطبيق خطة هجومية ضاغطة استغلت ضعف دفاعات السيتي في تلك المرحلة. بينما في التعادل الأخير، كان هالاند هو القوة الضاربة التي سجلت هدفي السيتي، مما يؤكد على أهمية القناص النرويجي في تركيبة جوارديولا الحالية.
من الناحية التكتيكية، يجد جوارديولا، المعروف بهوسه بالسيطرة، صعوبة في مواجهة فرق موناكو التي تعتمد على السرعة والانتقال السريع من الدفاع للهجوم، خاصة على ملعبها. سواء كان ذلك في الخسارة 3-1 أو التعادل 2-2 الأخير، أثبت موناكو أنه منافس عنيد وغير متوقع، يمتلك دائمًا القدرة على هز شباك السيتي في اللحظات الحاسمة، مما يجعل هذه المواجهة دائمًا لغزًا تكتيكيًا للمدرب الإسباني.
مستقبل المواجهة: ترقب المزيد من الإثارة في قادم المواعيد
تاريخ المواجهات بين موناكو ومانشستر سيتي قصير لكنه غني بالأهداف والتقلبات الدرامية. فبعد مباراتين فقط في دوري أبطال أوروبا، سجل الفريقان ما مجموعه 12 هدفًا، بمعدل 6 أهداف في المباراة الواحدة، مما يجعل هذه المواجهة عنوانًا للإثارة والمتعة الكروية.
في الوقت الذي يسعى فيه مانشستر سيتي دائمًا لتأكيد سيطرته الأوروبية والحفاظ على لقب دوري الأبطال، يبقى موناكو، بتاريخه الحافل في المسابقة وقدرته على صناعة المفاجآت، خصمًا يجب الحذر منه. ومع تزايد المنافسة وتطور الفرق، ينتظر عشاق كرة القدم حول العالم بفارغ الصبر اللقاء القادم بين هذين الناديين، على أمل أن يقدموا فصلًا جديدًا من فصول المتعة والندية التي اعتادت عليها الجماهير في صراع موناكو ضد مان سيتي بدوري أبطال أوروبا.


