صفقة القرن لبافيت: بيركشاير هاثاواي تستحوذ على “أوكسي كيم” مقابل 9.7 مليار دولار

أحدث الملياردير الأسطوري وارن بافيت ضجة كبيرة في الأوساط المالية العالمية بإعلانه عن إبرام شركته، بيركشاير هاثاواي، صفقة استحواذ ضخمة هي الأكبر له منذ ثلاث سنوات. وتتمثل الصفقة في شراء وحدة البتروكيماويات التابعة لشركة أوكسيدنتال بتروليوم، المعروفة باسم “أوكسي كيم” (OxyChem)، مقابل 9.7 مليار دولار نقداً. هذا الاستحواذ ليس مجرد رقم مالي كبير، بل هو تأكيد لاستراتيجية بافيت في توظيف الاحتياطي النقدي الهائل لـ “بيركشاير” في أصول صناعية مستقرة وذات تدفقات نقدية موثوقة، وفي الوقت نفسه، يعزز علاقة “بيركشاير” الاستراتيجية بشركة “أوكسيدنتال بتروليوم”، التي تُعد بالفعل من أكبر مقتنيات بافيت في محفظة الأسهم. صفقة القرن لبافيت

أكبر صفقة منذ 2022: نظرة على عمق الاستثمار

تُعد صفقة شراء “أوكسي كيم” الأكبر لـ “بيركشاير هاثاواي” منذ استحواذها على شركة التأمين أليغاني بقيمة 11.6 مليار دولار في عام 2022. وهي دليل على أن “عراف أوماها” لا يزال يبحث عن فرص استثمارية كبيرة وذات قيمة عميقة على الرغم من التقدم في العمر وتزايد التحديات الاقتصادية. الصفقة، التي تمت بالكامل نقداً، تسلط الضوء على سبب احتفاظ “بيركشاير” باحتياطيات نقدية ضخمة تجاوزت الـ 150 مليار دولار، والتي تُمكّنها من اقتناص أصول كاملة وكبيرة عندما تتاح الفرصة.

تحمل الصفقة أهمية مضاعفة؛ فـ “بيركشاير هاثاواي” هي بالفعل أكبر مساهم في شركة “أوكسيدنتال بتروليوم” الأم، حيث تملك حصة كبيرة تتجاوز 20% من أسهمها العادية، بالإضافة إلى حقوق الخيار (Warrants) التي تسمح لها بشراء المزيد. وبدلاً من الاكتفاء بحصة في شركة تعمل في قطاع النفط والغاز المتقلب، قرر بافيت تأمين جزء من أعمال “أوكسيدنتال” التي تُركز على مجال الصناعات الكيميائية الأساسية الأكثر استقراراً. هذا يمثل تحولاً داخل استثمار بافيت في “أوكسيدنتال”، من مجرد امتلاك أسهم إلى امتلاك وتشغيل ذراعها الصناعي المربح.

“أوكسي كيم”: جوهرة في التاج الصناعي لبيركشاير

تتخصص شركة “أوكسي كيم” في إنتاج وبيع المواد الكيميائية الأساسية والبتروكيماويات التي تُعد ضرورية لعدد لا يحصى من الصناعات. هذه المواد الكيميائية تدخل في تطبيقات متنوعة وحيوية، مثل معالجة المياه، والرعاية الصحية، وإنتاج الورق، وإعادة تدوير البطاريات، وحتى صناعة المبردات الصديقة للبيئة. ما يميز هذا القطاع هو أنه يوفر تدفقاً نقدياً مستقراً نسبياً مقارنة بـ تقلبات أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي التي تخضع لها “أوكسيدنتال بتروليوم” الأساسية.

حققت وحدة “أوكسي كيم” مبيعات بلغت حوالي 5 مليارات دولار خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في يونيو، مما يؤكد أنها ليست مجرد عملية هامشية، بل هي شركة قائمة بذاتها وذات إيرادات كبيرة. بالنسبة لـ “بيركشاير”، والتي تمتلك بالفعل شركات في قطاع الكيماويات المتخصصة مثل لوبريزول (التي اشترتها مقابل حوالي 10 مليارات دولار شاملة الديون في عام 2011)، فإن الاستحواذ على “أوكسي كيم” يعزز من مكانتها في السوق الصناعي الأساسي ويضيف مصدر دخل متنوعاً وموثوقاً إلى محفظتها العملاقة من الشركات التشغيلية. كما أشار جريج أبيل، نائب رئيس “بيركشاير” للعمليات غير التأمينية، إلى تطلع الشركة للترحيب بـ “أوكسي كيم” كشركة تابعة عاملة.

من منظور “أوكسيدنتال”: تخفيف عبء الديون الضخم

في المقابل، تُعتبر الصفقة مفيدة جداً لشركة “أوكسيدنتال بتروليوم” (OXY). تعاني الشركة من ديون ضخمة تراكمت بشكل أساسي بعد استحواذها المثير للجدل على أناداركو بتروليوم في عام 2019، وهي الصفقة التي لعب فيها بافيت دور الممول الرئيسي من خلال استثمار 10 مليارات دولار في أسهم ممتازة ذات عائد 8%.

تهدف “أوكسيدنتال” إلى استخدام جزء كبير من عائدات البيع، حوالي 6.5 مليار دولار، لسداد جزء من ديونها. وتُعد عملية التخارج من وحدة البتروكيماويات خطوة استراتيجية نحو تركيز أكبر على أعمالها الأساسية في النفط والغاز، وكذلك على استثماراتها في احتجاز الكربون، وهي تقنيات تكتسب أهمية متزايدة في استراتيجية “أوكسيدنتال”. إن بيع “أوكسي كيم” بهذه القيمة يمنح الشركة الأم راحة مالية فورية ويعزز من ميزانيتها العمومية، وهو ما يصب في مصلحة “بيركشاير” كأكبر مساهم فيها.

رسالة بافيت للأسواق: القيمة مقابل الثمن الباهظ

تُرسل هذه الصفقة رسالة قوية للأسواق؛ ففي الوقت الذي يُخزن فيه العديد من المديرين التنفيذيين الأموال بسبب المخاوف الاقتصادية، لا يزال وارن بافيت يبحث عن “أفيال”، وهو المصطلح الذي يستخدمه لوصف الاستحواذات الكبيرة. هذا التوقيت، الذي يأتي في ظل تزايد حالة عدم اليقين الاقتصادية ومخاطر الركود، يشير إلى أن بافيت وفريقه يرون أن وحدة “أوكسي كيم” تُباع بسعر جيد، وأن آفاقها طويلة الأجل تبرر ضخ هذا المبلغ الهائل من الاحتياطي النقدي.

لطالما عُرف بافيت بالاستثمار في الشركات التي تتمتع بـ “خنادق اقتصادية” (Economic Moats) قوية، أي مزايا تنافسية مستدامة. يبدو أن “أوكسي كيم” بعائداتها المستقرة في مجال الكيماويات الأساسية تتماشى مع هذه الفلسفة. فبالإضافة إلى المكاسب غير المحققة التي حققتها “بيركشاير” من صعود أسهم “أوكسيدنتال” العادية، يأتي هذا الاستحواذ ليعمق الشراكة ويوفر لـ “بيركشاير” تدفقاً نقدياً مباشراً وملموساً من أصل صناعي عالي الجودة. وتؤكد الصفقة أن بافيت، في ختام مسيرته، يركز على تجميع الأصول المادية والمستدامة التي يمكن أن تحقق عوائد موثوقة لـ “بيركشاير هاثاواي” على مدى العقود القادمة.